اخبار

الدولار الأمريكي في طريقه للانهيار وفقدان هيمنته بالشرق الأوسط!

أثار قرار الحكومة العراقية بحظر استخدام الدولار الأمريكي في إجراء المعاملات الشخصية والتجارية في البلاد، صدمة في سوق السيارات والعقارات. فالعراقيون يقومون منذ سنوات بإتمام عمليات الشراء باهظة الثمن باستخدام الدولار.

وبسبب تدني قيمة الدينار، فإن العراقيين في حاجة إلى تكديس كمية كبيرة من الدينار لشراء سيارة أو منزل باهظ الثمن مثلا، لذا فقد جرت العادة باستخدام الدولار الأمريكي في محاولة لتجنب هذا السيناريو.

ومنذ عقود، لا يزال الدولار “ملك العملات” وأفضلها في التعامل في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، بيد أن هذا الأمر بدأ يتغير، إذ أدلى مسؤولون كبار في عدد من دول المنطقة بتصريحات تفيد بأن هيمنة الدولار في المنطقة قد تتلاشى.

يشار إلى أنه في العراق، كانت السلطات الأمريكية تزيد من صعوبة إدخال الدولار إلى البلاد جراء قلقها من تهريبه إلى الحكومة الإيرانية التي تخضع لعقوبات، في ظل الدعم الضمني من قبل العديد من السياسيين العراقيين لطهران، وقد أدى هذا النقص في الدولار إلى تقلبات في قيمة الدينار العراقي نظرا لارتباطه بالدولار.

ومن أجل إنهاء هذه الأزمة، قررت الحكومة العراقية فرض حظر على استخدام الدولار الأمريكي في إجراء المعاملات الشخصية والتجارية في البلاد، وفي فبراير / شباط الماضي، قرر العراق سداد قيمة واردات القطاع الخاص من الصين بعملة اليوان.

وفي مطلع العام الجاري، قال وزير المالية السعودي إن بلاده “منفتحة” على بيع النفط بعملات أخرى غير الدولار بما في ذلك اليورو واليوان. فيما أعلنت الإمارات أنها تجري مُحادثات مبكرة مع الهند لتجارة السلع غير النفطية بالروبية الهندية، وسبق ذلك إعلان القاهرة العام الماضي عن خططها لإصدار سندات باليوان الصيني في أعقاب إصدار سندات بالين الياباني.

وقد تزامن ذلك مع ما أبدته مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر والبحرين عن رغبتها في الانضمام إلى “دول مجموعة بريكس” التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

فيما قالت موسكو إن اللقاء المقبل للتحالف في يونيو/ حزيران سوف يناقش إنشاء منظومة عملة جديدة لإتمام المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء.

ومنذ عام 2021، كانت الإمارات مشاركة في مشروع تجريبي يديره “بنك التسويات الدولية” بشأن استخدام العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية في إتمام المدفوعات بين الدول بما يشمل الابتعاد عن الدولار، وكانت تايلاند وهونغ كونغ والصين من بين الدول المشاركة في المشروع.

هل انتهى زمن هيمنة الدولار؟

وقد أدى ذلك إلى إذكاء التكهنات حول تراجع قوة الدولار، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بعنوان: “هل باتت هيمنة الدولار مهددة؟” فيما قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” إنه يتعين على العالم  “الاستعداد لعالم متعدد الأقطاب”.

وذكرت وكالة “بلومبيرغ” الشهر الماضي أن “إلغاء الدولار يحدث بوتيرة مذهلة “، مشيرة إلى أن الدولار بات يشكل الآن حوالي 58 بالمائة من الاحتياطيات العالمية للعملات، في حين بلغت عام 2001 نسبة 73 بالمائة، بينما كانت آواخر سبعينات القرن الماضي تبلغ نسبة 85 بالمائة. ورغم ذلك، يؤكد الخبراء أن الابتعاد عن الدولار يسير بوتيرة بطيئة نسبيا، على النقيض مما تشير إليه التقارير الصحفية.

الدولار في الخليج لم يفقد رونقه

ويعود ارتباط مبيعات الخليج النفطية بالدولار إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث أقامت دول المنطقة شراكة مع الولايات المتحدة. بما يعني ضمان الولايات المتحدة أمن الخليج مقابل تصدير السعودية والإمارات النفط بالدور، وقد ربطت معظم دول الخليج عملاتها بالدولار باستثناء الكويت.

ويشير حسن الحسن، الباحث في سياسات الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، إلى أن “أحد أكبر مؤشرات التحول الحقيقي بعيدا عن الدولار، يتمثل في فك ارتباط العملات بالدولار، لكن هذا لم يحدث حتى الآن”.

بدوره، يقول دانيال مكدويل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيراكيوز في نيويورك، إن حديث المسؤولين العرب عن تلاشي قوة الدولار في الشرق الأوسط مازال عبارة عن “تصريحات”.

وأضاف في مقابلة مع DW أن “الإدلاء بتصريحات أمر سهل، لكن تنفيذ ذلك هو المحك. بالنسبة للدول المنتجة للنفط مثل السعودية، فإن مثل هذه التصريحات والتحريضات ليست سوى وسيلة لجذب انتباه الولايات المتحدة، إذ قد يدفع مغازلة الصين إلى جعل الساسة في البيت الأبيض يولون اهتماما أكبر بمصالح دول الخليج.”

لكن مكدويل لا يستبعد احتمال تلاشى هيمنة الدولار في مقبل الأيام، مضيفا “تنهار جميع الإمبراطوريات في نهاية المطاف، لكن في الوقت الحالي مثل هذا الحديث رمزي وسياسي فضلا عن أن أي تغيير نراه لا يزال هامشيا وبطيئا”.

الحرب في أوكرانيا

وخلال الحديث مع  DW، اتفق الخبراء على أن الرغبة في البحث عن عملات أخرى غير الدولار في الشرق الأوسط يعود إلى سبين: الأول يتمثل في حرب أوكرانيا. وفي ذلك، قال مكدويل إن العقوبات احتلت حيزا كبيرا من المناقشات، مضيفا “كلما استخدمت الولايات المتحدة الدولار كسلاح خارجي، كلما تحرك خصومها نحو إتمام الأنشطة الاقتصادية بعملات أخرى”.

بدوره قال الحسن: “إن “الكثير من الأموال الروسية تمر في الوقت الحالي عبر دول في الشرق الأوسط وآسيا، فيما يُنظر إلى هذه الدول باعتبارها دولا اختارت عدم الامتثال للعقوبات الأمريكية والأوروبية ضد روسيا أو رفضت تطبيقها.”

بيد أنه في حالة تشديد العقوبات على روسيا بما يشمل اللجوء إلى خيار “العقوبات الثانوية”، فإن هذه الدول ستواجه صعوبات أكبر في تجنبها، إذ سوف تُفرض العقوبات الثانوية على الأطراف الثالثة سواء أكانت دولا أم شركات، وهو ما يزيد من صعوبة الالتفاف على العقوبات الغربية على موسكو.

وفي هذا السياق، قال ماكدويل إن “الحكومات التي تشعر بالقلق إزاء العقوبات الأمريكية تفكر بشكل متزايد في كيفية المضي قدما في هذا المسار حتى لو لم تبد أي استعداد حتى الآن حيال إجراء تحول جذري بعيدا عن الدولار”.

تهديد قطاع النفط!

وكشف الحسن عن السبب الثاني وراء رغبة دول المنطقة في الابتعاد عن الدولار، قائلا “أعتقد أن هناك إحساسا يشير إلى أن الولايات المتحدة ربما تحاول إعادة صياغة قواعد سوق النفط العالمية لاستهداف المصالح الروسية، وهو ما يمثل تهديدا استراتيجيا للسعودية”.

يشار إلى أن وزير الطاقة السعودي عبدالعزيز بن سلمان قد ذكر في مارس/ آذار الماضي أن “وضع سقف لأسعار النفط سيؤدي لا محالة إلى عدم استقرار السوق. لن نبيع النفط لأي دولة تفرض سقف أسعار على إمداداتنا”.

وسبق ذلك إعراب وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب عن معارضة بلاده لأي قرار يفضي إلى تحديد سقف لأسعار الغاز الطبيعي، مضيفا أن “الجزائر لا تدعم فكرة تسقيف الأسعار مهما كانت الظروف”.

بدورها، قالت ماريا دمرتزيس، أستاذة السياسة الاقتصادية في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، إنه في ظل استمرار العقوبات على روسيا، فإن الحديث عن الابتعاد عن الدولار سيتعاظم، لكنها أقرت بأن الأمر لن يحدث بين عشية وضحاها.

وأضافت لـ DW “حتى إذا أرادت بعض البلدان اللجوء إلى عملة أخرى غير الدولار، لن يكون بإمكانها استبدال البنية التحتية للتسوية التي يوفرها النظام المدفوع بالدولار”.

“سلاح” المصارف!

وقالت “إذا كانت الهند ترغب في إتمام صفقة مع تشيلي، فإنها سوف تقوم بذلك عن طريق الدولار، لكن ليس السبب ينحصر في إمكانية تسعير أي منتج بالدولار، بل يشمل ذلك استخدام البنية التحتية للدولار الأمريكي لتسوية الصفقة وهو ما يمثل الإجراء القانوني لنقل أموال من حساب إلى  حساب آخر”.

وأوضحت أن “هذا الأمر توفره الولايات المتحدة منذ عقود، ما يعني أن أي بديل عن الدولار ستكون له آثار قانونية وإدارية ضخمة: فعلى سبيل المثال، لا تعترف تشيلي بالإطار القانوني للروبية الهندية ما يعني أن الوصول إلى مرحلة تشهد استقرارا للمصرفين المركزيين في كلا البلدين لا زال بعيد المنال”.

وأشارت دمرتزيس إلى حقيقة مفادها أن قيام الولايات المتحدة وأوروبا بتجميد الأصول الاحتياطية للبنك المركزي الروسي الخاضعة لولاياتهما القضائية، قد أدى إلى استخدام البنوك المركزية كسلاح وهو ما أضر بالنظام المالي الدولي.

بدوره، قال الحسن إن قيام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “بتسليح التجارة والتمويل الدوليين في سياق الحرب مع روسيا، هو سبب استعداد دول الشرق الأوسط لنظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث ترغب هذه الدول في أن تحظى بوضع أفضل سواء داخل أو خارج المناطق التي يتم التعامل فيها بالدولار”

تابعونا على الحسـابات التالية ليصلكم كل جديد

|| صفحة فيسبوك || جروب فيسبوك ||  قناة تيلجرام ||  صفحة تويتر  ||

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock